كرة القدم بمصر هي نفسها في كل مكان بالعالم، إلا أن الدوري المصري ذا طبيعة خاصة، لا يتغير ولا يتبدل ولا حتى يتطور إلا لجسام الأحداث، فأي محاولة للتغيير لا تجد طريقها إلى مسابقاتنا بسهولة.
وعلى أي وافد – من فكر التغيير – على منظومتنا الكروية، أن يتفهم أولاً خصوصية مفاهيمنا وأوثاننا العقلية وعاداتنا الاجتماعية، ليستطيع النفاذ إلى عناصر اللعبة دون أي ضمان للنجاح في تغيير هذه المفاهيم، في دلالة واضحة لرغبتنا في تكرار نفس أخطائنا وعيوبنا، متعللين بالتمسك بأحد القيم الرائعة ولكن في غير محلها، وهي قيمة: الثبات على المبدأ.
ومنذ نشأة مسابقات الدوري المصري، والشعب المصري لا يعرف إلا الأهلي والزمالك، ويتفهم أيضا أنه يجب أن يكون هناك عددا آخر من الأندية لتكمل قائمة المسابقة، تتغير أسماءها ومواقعها في ترتيب القائمة كل عام، سواء في بداية المسابقة أو في نهايتها، والتي تنتهي بأحد الفريقين على قمة القائمة يليه الآخر.
وطبقا للسنن الكونية الراسخة والخاصة بالتدافع والتداول بين الناس في كافة مجالاتهم، فتجد بين الحين والحين، فريق البطولات يتنازل عن القمة لأحد فرق القائمة، سواء في الدوري أو الكأس، ويترافق ذلك بالطبع مع ارتفاع ملحوظ ومؤقت في مستوى الفريق الصاعد للقمة، وكأن مستواه هو كارت محمول مشحون بمدة محددة تنتهي بنهاية المسابقة، وتتغير أوضاع وترتيب فرق القائمة خلال هذا الزلزال، والذي يتوقف بنهاية الموسم ليعود البطل مرة أخرى لاحتلال كرسي القمة مرة أخرى، ولعدد آخر من المواسم.
ولقد نشأت ظاهرة صعود أندية الشركات الفقيرة الجماهير لدرجة الندرة للدوري المصري الممتاز، كظاهرة جديدة لتحل بغير حق محل الفرق الجماهيرية، ولتؤكد من خلال إنفاقها الغير محدود والغير مشروع على فرقها من أموال الشعب، أن القاعدة الأساسية التي يقوم عليها النظام في الكرة وغير الكرة هي قاعدة الثلاث ورقات، حيث لا تعرف ما المطلوب القيام به، فضلاً عن غياب الأهداف وبالتالي الطموحات، وصولاً لعدم معرفة مستقبل أي مشروع أو جهاز أو نشاط، إلا بالصدفة المنظمة لخدمة أي شيء إلا الرياضة.
وبالرغم من هذا الحراك في التركيبة وفي قماشة فرق الدوري، إلا أن الحال ظل نفس الحال، مستمراً على أنه مسابقات الأهلي والزمالك، والواقع أن الزمالك ارتبط دائما بالصراع مع الأهلي على القمة لمراحل متقدمة من المسابقات كل موسم، وبغض النظر عن انخفاض مستواه أو انتكاسته الحالية المؤقتة أو خلال مرحلة ما طوال تاريخ المسابقات، فإنه يظل التهديد الأكبر للنادي الأهلي، ومنافسه الأوحد الذي لا يمكن مقارنته بباقي فرق القائمة.
والحقيقة أن ذلك قد شكل أهم عنصر من عناصر تفوق الأهلي على مدى المسابقة، فكلما ارتفع مستوى الزمالك، كان الأهلي أشد إصرارا وزادت بواعثه ودوافعه للحصول على البطولات، بل أن الموسم الذي يرتفع فيه مستوى الزمالك، تكون فرحة الحصول على البطولة أشد منها في أي موسم آخر.
ولم تتحسن الأمور بتغير الفرق التي تنافس على القمة من فرق الشركات، بظهور بتروجيت والطلائع إلى جانب الزمالك والإسماعيلي، بل إن ارتفاع مستوى فرق الشركات فضح حقيقة لم تكن مقبولة من قبل، أن الزمالك استعذب المركز الثاني، ولكنه فوجئ بأداء جديد للفرق، حيث لم تعد تتعامل معه كما كانت تتعامل من قبل، لأنها طمعت هي الأخرى في احتلال مركزه المفضل، المركز الثانى.
والحقيقة أن عيوب أندية قائمة مسابقة الدوري قد أصبحت جزءا من تكوينهم، إلا أن كل مسئولي هذه الأندية يغمضون الطرف عن هذه المشاكل، وكأن لا أحد منتبهاً لذلك، أو كأنها ستحل نفسها بنفسها، وهذا ما لن يحدث بدون جهد موجه، وتخطيط محدد.
فكل لاعبي الدوري المصري، تسعى فقط للأداء الجيد أمام الأهلي والزمالك، وبالتحديد أمام الأهلي، وذلك لاستثمار فرصة الظهور أمام الشاشات والجماهير وأمام عيون مسئولي كافة الأندية، لتسويق أنفسهم، وبالتالي الحصول على فرصة للعب في أحد أندية القمة، وربما تحقق شهرتهم أكثر من ذلك.
لذا، فلقد انحصر طموح اللاعبين والإدارات الفنية وحتى إدارات الأندية، وحرص الجميع على ارتداء عباءة الأبطال، فقط، أمام فريق النادي الأهلي، وأي نتيجة خلاف الهزيمة منه بعدد كبير من الأهداف، تساوى إحراز بطولة المسابقة، حتى لو تبع ذلك هبوط فريقهم للقسم الأدنى.
ولقد سرت أخيرا عدوى انخفاض مستوى الطموح من أندية الوسط والمؤخرة، للأندية التي تعودت احتلال المربع الذهبي، مما أدى إلى انخفاض مستوى المسابقة بصفة عامة، وبالتالي لم يعد الأهلي يولى الاهتمام المطلوب للقاءات هذه الأندية، والتي أصبح يفوز عليها بأقل جهد، حتى لو غاب عنه كل لاعبي فريقه الأساسي.
ولم يعد الأهلي – لاعبين وجهاز فني – يشعرون بأي قلق من المباريات إلا عند مواجهة الزمالك والإسماعيلي، وذلك فقط لأسباب تاريخية وجماهيرية، وليس لأسباب فنية.
وينذر هذا الوضع بكل أسف، بهبوط مستوى إعداد وأداء فريق الأهلي – الذي يتطلب أداءً متزايد الصعود خلال المسابقة مع فرق قوية - عند صدام المواجهات القوية مع الفرق الإفريقية، حيث سيتأثر بغياب الدوافع والحوافز القوية، أثناء مباريات الدوري المصري، في ظل انخفاض المستوى العام للمسابقات، وبالتحديد مستوى منافسه الدائم، الزمالك، والذي ظل ارتفاع مستوى الأهلي مقترنا بارتفاع مستوى الزمالك.
فهل تقوم أندية الشركات بالدور المطلوب لتحقيق منافسة قوية لرفع مستوى المسابقة في ظل غياب الزمالك؟.
أم أن طبيعة فرق الدوري العام بما فيها الشركات، من انعدام سمة الصراع من أجل البطولة لدى اللاعبين، والطموح المحدود بتقليل حجم الهزيمة من الأهلي عند مواجهته، ستجعل الأمور أكثر صعوبة على فريق الأهلي وباقي الفرق المصرية المشاركة في البطولات الإفريقية ،عند مواجهتها للفرق الأفريقية التي لا تعرف التراخي وهبوط الهمة التي نتجرعها من خلال مسابقاتنا.
خيب الله ظني، ولننتظر ... فإن غداً لناظره قريب.
......................